«تحوّل غزة».. حماس تغيّر قواعد اللعبة وتربك إسرائيل

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


يشهد الشرق الأوسط تحوّلًا سياسيًا غير مسبوق، تقوده هذه المرة حركة حماس من داخل قطاع غزة، بعدما أعلنت قبولها بأجزاء رئيسية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها مناورة سياسية ذكية تستهدف إعادة رسم صورة الحركة أمام العالم، وتحميل إسرائيل مسؤولية استمرار الحرب

هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد شهور من الاستنزاف العسكري والإنساني، ومع تصاعد الأصوات الدولية المطالبة بوقف إطلاق النار، لتعلن حماس عمليًا عن انتقالها من موقع المقاومة العسكرية إلى موقع اللاعب السياسي القادر على التفاوض والمساومة دون أن يتخلى عن ثوابته

تحول استراتيجي.. من المقاومة إلى البراغماتية السياسية

في مضمون بيانها الأخير، قبلت حماس بإطار عام يتضمن إنهاء الحرب، وانسحاب إسرائيل، والإفراج المتبادل عن الرهائن والمحتجزين، وتدفق المساعدات وإعادة الإعمار، ورفض تهجير الفلسطينيين من القطاع

إلا أن الحركة حرصت على أن يبقى قبولها مرنًا وغير مطلق، فبينما أبدت انفتاحها على بعض بنود الخطة، تركت الباب مفتوحًا أمام “المزيد من المحادثات”، لتحتفظ بهامش مناورة سياسي واسع

هذا الموقف يعكس تحولًا استراتيجيًا محسوبًا في فكر الحركة، إذ لم تعد تكتفي بردود الفعل، بل باتت تصنع الموقف السياسي وتفرض على العالم التعامل معها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي تسوية مستقبلية

صفقة الرهائن.. إنسانية في الشكل وسياسية في الجوهر

ومن أبرز ما ورد في خطة ترامب قبول حماس بـالإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، بينهم 250 محكومًا بالمؤبد و1700 معتقل من سكان غزة

كما نص المقترح الأمريكي على أن إسرائيل ستفرج عن رفات 15 فلسطينيًا مقابل كل رهينة إسرائيلي متوفى، في مشهد يعبّر عن مقايضة رمزية تُخاطب المشاعر الإنسانية بقدر ما تعكس حسابات سياسية دقيقة.

في المقابل، أكدت حماس استعدادها للتنفيذ الفوري لعملية التبادل بمجرد تهيئة “الظروف الميدانية المناسبة”، في إشارة إلى رغبتها في ضمان وقف القصف أولًا، بما يحافظ على موقعها التفاوضي دون تقديم تنازلات مجانية

وقف الحرب.. جوهر الخلاف وبداية التحدي

ويأتي جوهر الخلاف بين الجانبين في التمحور حول آلية إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية، فبينما تنص خطة ترامب على انسحاب تدريجي مشروط باستكمال عملية التبادل وضمانات أمنية لإسرائيل، تصر حماس على أن الانسحاب يجب أن يكون كاملًا وفوريًا، معتبرة أي وجود عسكري إسرائيلي داخل القطاع انتهاكًا للسيادة الفلسطينية.

ويرى مراقبون أن هذا الخلاف يعكس التناقض الجوهري بين الرؤية الأمريكية الإسرائيلية القائمة على «الأمن أولًا» والرؤية الفلسطينية القائمة على «الحرية أولًا»، وفي ظل تزايد الضغوط الدولية، باتت إسرائيل أمام اختبار صعب أمام الرأي العام العالمي، إذ لم تعد قادرة على تبرير استمرار الحرب في وقت تبدي فيه حماس استعدادًا للتهدئة.

المساعدات وإعادة الإعمار.. توافق في المبدأ واختلاف في التفاصيل

ومن جانبها أبدت حماس ترحيبًا حذرًا بالمقترح الأمريكي الخاص بزيادة المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة، لكنها شددت على رفض أي مشروع يتضمن تهجير الفلسطينيين أو وضع القطاع تحت وصاية دولية

أما خطة ترامب، فقد نصت على بدء فوري لتدفق المساعدات بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر، بما يشمل إعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز وفتح الطرق

ورغم أن الطرفين يتفقان على ضرورة معالجة الكارثة الإنسانية، إلا أن حماس ترى أن إدارة المساعدات يجب أن تبقى فلسطينية الطابع، بما يحفظ سياد القرار داخل غزة

من يدير غزة؟.. سؤال المرحلة المقبلة

يبقى مستقبل إدارة القطاع هو السؤال الأبرز في المرحلة القادمة، فبينما تقترح خطة ترامب تشكيل هيئة فلسطينية انتقالية بإشراف دولي، تحدثت حماس عن هيئة مستقلة ذات طابع ديمقراطي دون توضيح طبيعة مشاركتها فيها.

ويرى خبراء أن الحركة تدرك صعوبة الاستمرار في السيطرة المنفردة، لكنها في الوقت ذاته ترفض التنازل عن دورها السياسي والعسكري، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة مساومات معقدة بين الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية حول شكل الحكم في غزة بعد الحرب

المجتمع الدولي يعيد النظر.. وإسرائيل في الزاوية

التحول في موقف حماس أربك المشهد الدولي، فبعدما كانت الحركة تُقدَّم للعالم كـ”العقبة أمام السلام”، أصبحت الآن تظهر كطرف مستعد للحلول، بينما تجد إسرائيل نفسها في مواجهة تساؤلات قاسية من حلفائها الغربيين:

– لماذا تستمر العمليات العسكرية رغم وجود استعداد فلسطيني للتهدئة؟

– وإلى أي مدى يمكن لتل أبيب أن ترفض المبادرات دون أن تفقد شرعيتها الأخلاقية والسياسية؟

هذا التحول، بحسب المراقبين، يعني أن الكرة باتت في الملعب الإسرائيلي، وأن تل أبيب قد تخسر الكثير من تعاطف العالم إن واصلت المماطلة في إنهاء الحرب

ملامح المرحلة المقبلة.. توازنات جديدة ومعادلات مختلفة

المشهد السياسي الراهن يؤكد أن مرحلة ما بعد الحرب لن تشبه ما قبلها، فحماس التي خاضت أطول معركة في تاريخ القطاع، خرجت بواقعية سياسية جديدة، تمزج بين المقاومة والمفاوضة، وتدرك أن إدارة الصراع تحتاج إلى عقل بقدر ما تحتاج إلى سلاح.

وفي المقابل، تجد إسرائيل نفسها أمام تحولات إقليمية معقدة، أبرزها الرفض المصري والأردني القاطع لتهجير الفلسطينيين، ما أعاد رسم حدود الدور العربي في إدارة الأزمة وأجبر واشنطن على مراجعة بعض حساباتها.

إنها مرحلة إعادة تشكيل الوعي السياسي في المنطقة، حيث لم تعد المعادلات القديمة قائمة، ولم يعد أحد يحتكر الحديث باسم السلام أو الشرعية، فاليوم، المرونة أصبحت سلاحًا جديدًا، والمناورة أصبحت أداة بقاء، والسياسة لا الصواريخ هي التي تحدد مصير غزة والمنطقة بأسرها.

اقرأ أيضاًماكرون: لدينا الآن فرصة لإحراز تقدم حاسم نحو السلام بالشرق الأوسط

وزير الخارجية يشدد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة

مصطفى بكري: صلابة الرئيس السيسي جعلت خطة ترامب لا تتضمن التهجير من غزة



‫0 تعليق

اترك تعليقاً