المغرب فوق صفيح ساخن: هل ينجح الحراك أم هي انتفاضة عابرة؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


المغرب فوق صفيح ملتهب، والشوارع تنبض بغضب جيل لم يعد يقبل بالانتظار. جيل وُلد بين أزمات متلاحقة، فوجد نفسه في مواجهة انسداد سياسي واقتصادي خانق، وقرر أن يكتب فصلاً جديداً في كتاب الاحتجاج. إنهم “جيل زد 212″، أبناء الإنترنت وشبكات التواصل، الذين اختاروا لأنفسهم رمزاً وطنياً وعالمياً في آنٍ واحد، ليقولوا: نحن هنا، نحن منكم، لكننا أيضاً جزء من جيل عالمي عابر للحدود.

جيل الإنترنت يغزو الشوارع.. ، —

هذا الجيل، الذي يشكّل كتلة بشرية ضخمة في المجتمع المغربي، لا يحمل على كتفيه أوهام أيديولوجيا كبرى، ولا يستند إلى رموز فكرية من طراز سارتر أو كامو، كما حدث في انتفاضة باريس عام 1968. لكنه يمتلك طاقة جارفة، تفيض في الشوارع بهتافات غضب أكثر مما تتجسد في برامج أو مشاريع سياسية واضحة. قوة بلا قيادة، صرخة بلا خارطة، واحتجاج يطرق أبواب التاريخ لكنه لم يجد بعد من يفتح له الطريق.

هوية بلا أيديولوجيا..

“جيل زد 212” ليس تنظيماً سياسياً ولا حزباً ولا حركة أيديولوجية. هو بالأحرى موجة اجتماعية – رقمية خرجت من رحم الفجوة بين تطلعات الشباب وواقع الدولة. اختيارهم لرمز “212” لم يكن صدفة، بل إشارة إلى أنهم يريدون أن يظل احتجاجهم مغربياً خالصاً، حتى وهو يتغذى من تجارب نظرائه في العالم.

شباب بلا قيادة.. .—

المعضلة المركزية التي تعترض هذا الحراك تكمن في غياب القيادة. فلا وجوه كاريزمية، ولا نخب فكرية أو حزبية، ولا حتى خطاب جامع يمكن أن يُترجم إلى مشروع سياسي متماسك. هنا تتجسد هشاشة الحراك: غضبٌ عارم لكنه بلا بوصلـة.

قوة الشارع وحدودها —

وسائل التواصل الاجتماعي منحت الشباب سلاحاً بالغ التأثير: القدرة على التنظيم السريع ونقل الصورة للعالم. غير أن هذه القوة الرقمية قد تتحول إلى هشاشة، إذ يمكن للحماسة أن تشتعل وتنطفئ بسرعة، ما لم تتحول إلى فعل سياسي راسخ.

خيارات الدولة: العصا أم الجزرة؟

أمام السلطة المغربية ثلاثة مسارات محتملة:.. .–

الاحتواء عبر إصلاحات محدودة تمنح الشباب متنفساً دون معالجة الجذور.

الاختراق والترويض عبر صناعة قيادات بديلة تتحول إلى أداة في يد الدولة.

المواجهة الأمنية المباشرة بما تحمله من خطر انفجار أوسع، خاصة إذا التحق الريف بالحراك.

هل يلوح “ربيع مغربي” في الأفق؟

المقارنة مع “الربيع العربي” تفرض نفسها. لكن المغرب حالة خاصة: شرعية المؤسسة الملكية، مرونة النظام، وتعددية المجتمع تجعل الاستنساخ صعباً. ورغم ذلك، فإن ما يحدث اليوم قد يكون جرس إنذار مبكر لمرحلة أكثر تعقيداً، إذا لم يلتقط النظام رسائل الشارع.

المخاوف من سيناريو الفوضى.. ،

السيناريو الأخطر هو أن يتوسع الغضب من المدن إلى الأرياف، حيث التهميش أعمق. عندها قد يدخل المغرب في دوامة فوضى شبيهة بما عرفته دول عربية أخرى، وهو ما تخشاه الدولة وتسعى لتفاديه بأي ثمن.

هل هناك دعم خارجي؟

حتى الآن لا دلائل دامغة، لكن المغرب لاعب إقليمي حساس: الصحراء الغربية، علاقاته الأوروبية، موقعه الاستراتيجي… كلها ملفات تجعل أي اضطراب داخلي مغرياً لتدخلات غير مباشرة عبر الإعلام أو التمويل أو حتى المنظمات الدولية. ومع ذلك، يظل الغضب مغربياً خالصاً في جوهره.

ثلاثة سيناريوهات للمستقبل.. —

تبريد تدريجي: إصلاحات اجتماعية محدودة + ضبط أمني.

ترويض من الداخل: صناعة واجهات شبابية بديلة تُفقد الحراك زخمه.

دوامة الفوضى: انفجار اجتماعي يصعب احتواؤه إذا التحم الريف بالمدن.

— جيل بلا سارتر في انتفاضة باريس عام 1968 —

ما يجري اليوم هو انتفاضة جيل بلا مفكرين، بلا نخبة تحمل مشروعه. قوته في عدده وغضبه، وضعفه في غياب القيادة. قد يسجل التاريخ هذه اللحظة كصرخة عابرة، وقد يعتبرها الشرارة الأولى لزلزال مؤجل.

لكن المؤكد أن “جيل زد 212” أعلن حضوره، وأطلق رسالته: نحن هنا، لن نغيب. والسؤال الذي يبقى مفتوحاً: هل ستلتقط الدولة الرسالة وتستجيب بإصلاح جذري، أم ستختار الطريق الأسهل، فتترك الشرارة كامنة تنتظر لحظة الانفجار؟

محمد سعد عبد اللطيف – كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، !!



‫0 تعليق

اترك تعليقاً